طمـوحٌ عـالٍ والمحصّـلة صفـر
"إنما ينهزم الإنسان حين يفقد قدرته على الحلم"
في زمنٍ يقدّس السرعة أصبحت الأحلام تُباع بالمتر،والطموح يُقاس بعدد الآخرين حولنا لا بعدد الخطوات كثيرون وأنا منهم حلموا بأجنحةٍ أكبر من الواقع،صدّقوا أن السماء تفتح أبوابها لمن يطرقها بشغف،وأنّ الطموح وحده يكفي ليغيّر المعادلة كنتُ واحدة من هؤلاء الذين ظنّوا أن الحلم لا يخون وأنّ الطريق مهما طال سيُكافئ الصابرين،وأنّ الله لا يضيع تعب من سار بنيةٍ نقية لكنني اكتشفت متأخرةً،أن الصدق مع النفس أهم من الحلم ذاته!
وأنّ الإرهاق حين يلبس ثوب الطموح يُضلّلنا،فنحسب التعب إنجازًا،والركض تقدّمًا،والضياع تجربة كنا نظنّ أننا نرتقي،فإذا بنا ندور في حلقةٍ أنيقة من اللاشيء،كلّ يوم يبدأ بالأمل ذاته،وينتهي بالإرهاق ذاته نملأ دفاترنا بخطط الغد،ولا نعيش يومنا كما ينبغي،نخاف من الفشل أكثر مما نؤمن بالمحاولة،فنعيش معلّقين بين سقفٍ مرتفع لا نبلغه،وأرضٍ باردة لا نرتاح فيها،حين تتأمل الوجوه حولك تكتشف أن الجميع طموحون لكن قلّة منّا سعداء،الفرق بسيط البعض يطارد الطموح ليملأ ذاته،والآخرون يطاردونه ليملأوا نظرة الناس إليهم ويا لها من صفقةٍ خاسرة أن تُتعب روحك لتنال تصفيقًا مؤقتًا من جمهورٍ لا يعرفك! الطموح العالي جميل،لكنه ليس ضمانًا إنه مثل سيفٍ لامع؛إن لم تعرف كيف تحمله،جرحك قبل أن يرفعك،أحيانًا نُسرف في الأحلام حتى نحترق بنورها،نُعلّق القمم على جدار الأمنيات وننسى أن الصعود يحتاج عرقًا وصبرًا وصدقًا لا يُساوم،لأنّ كل سقوطٍ علمنا درسًا،وكل محاولةٍ لم تثمر كانت تسقي جذورًا خفيّة في داخلنا،تمهّد لبداياتٍ لا نراها بعد،لقد تعلّمت أن الخسارة لا تُقاس بما فقدناه، بل بما كسبناه من وعيٍ بعد الفقد وأنّ الطموح حين لا يُثمر،لا يعني أنه فشل بل ربما أراد الله أن يختبرنا هل كنا نعبده في السعي أم نعبد النتيجة؟
ما أجمل أن نحلم دون أن ننسى أن نعيش،وأن نؤمن أنّ السكون أحيانًا نصر،وأنّ “اللاشيء” ليس نهاية،بل استراحةٌ في منتصف طريقنا
مُحصلة النجاح الحقيقي؟
أن نعرف متى نتوقف،لا متى نركض
أن نُرضي الله قبل أن نُرضي التصفيق
أن نفهم أنّ الطموح لا يُقاس بما نملك،بل بما تبقّى فينا من إنسانٍ قادر على الحلم دون أن ينسى أن يعيش
في من رفعت سقفك عاليًا حتى اختنقت،اهدأ قليلًا..
الصفر ليس نهاية الطريق،بل نقطة البدء من جديد،ولكن هذه المرّة بعينٍ ترى،لا بعينٍ تحلم فقط

